بقلم: ابراهيم عبدالله
ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع (العربي - الاسرائيلي)، تمخضت عبر خروج مصر من حلبة الصراع مكبلة باتفاقية كامب ديفد معلنة الانقلاب على شعار «حرب التحرير واستبداله بحرب التحريك».
اما على الصعيد الدولي جاءت ثورة الشعب الايراني بقيادة الامام الخميني (قدس) في زمن كان شاهداً على حمأة الصراع (الاميركي - السوفياتي) الذي شطر دول العالم بشماله وجنوبه في انقسام عامودي، متخندقا خلف عقليات متصارعة شيوعية - اشتراكية وراسمالية - ليبرالية، عندها انبلج تيار ثالث من بين ثنايا الدجى رافعاً شعار «لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية»، تقوده الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام روح الله الخميني الموسوي.
أعوام كثيرة من الصبر والحصار والعمل الدؤوب انتقلت ايران من درك الدول المتخلفة الى مصاف الدول المتقدمة من خلال انجازاتها النووية والفضائية فارضة نفسها وبقوة امام العدو والصديق دولة اقليمية عظمى، وعزز هذا الحضور انخراطها في الحرب على الإرهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومدها يد العون والدعم للمقاومات العربية وخصوصاً اللبنانية والفلسطينية قافزة فوق جدار الطائفية والمذهبية العفنة.
وفي اطار رؤية تقييمية لمنجزات الثورة على مدى سنين متتالية لابد من الأخذ بعين الإعتبار عدة امور هي:
اهداف الثورة الإسلامية، الأوضاع قبل انتصارها، امكانات البلاد الذاتية، الضغوط ومؤامرات اعداء الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي الامكان دراسة منجزات الثورة الاسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفتين وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين.
وعلى سبيل المثال فإن اسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي وإحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الإستقلال السياسي هو من أبرز منجزات الثورة الإسلامية في اطارها العام والتي على اساسه تحققت باقي المنجزات، كان بمثابة الأرضية الصلبة والمتينة للتأسيس رحلة ايران الطويلة وانتقالها من طور الى طور.
في زمن الإنتصار يعد جانب من اهداف الثورة الإسلامية مثل الاستقلال الاقتصادي من المنجزات التي تحتاج الى زمان ومساعي اكثر.
ويمكن لنا ان نشير هنا الى منجزات الثورة الاسلامية في ايران من الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
المنجزات الثقافية والإجتماعية
وفرت الثورة الايرانية الاجواء المناسبة لتنمية القيم الاخلاقية والإنسانية، والعودة الى الذات، عبر ازالة مظاهر الفساد من المجتمع، وعملت على رفع مستوى الوعي العام والمعنويات، من خلال مكافحة الأمية، التي حققت اغراضها الى حد كبير، في سبيل توفير الامن الإجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب، والعمل على تنمية روح الوحدة والإخاء واشاعة الأدب الثوري – الديني.
كما ساهمت الحكومة الايرانية بعد الثورة في زيادة عدد المطبوعات والمجلات والصحف والدوريات، وكان لها اليد الطولى في «اسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والإقتصادية والإدارية والعسكرية والسياسية».
وأحيت الفكر الديني محدثة تحولات في القيم الإجتماعية ومفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والإخلاص والحج السياسي، والتضحية والإيثار.
وعملت على ترسيخ مبدأ التنسيق بين الإلتزام والتخصص والتدين والثقافة، من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية ومراكز البحوث والدراسات وزيادة امكانياتها.
نجحت الثورة في ايران في تحويل القوات المسلحة الى قوات مؤيدة للشعب وايجاد قوة التعبئة الشعبية، وعملت على التعريف بنموذج المرأة المسلمة- الثورة الاسلامية من خلال اعداد الاجواء لإقامة مهرجانات مختلفة حول النساء.
وتمكنت الجمهورية الاسلامية من نشر الصحف والمجلات النسوية، وتأسيس الجمعيات الخاصة بهن، هذا بالإضافة الى مشاركة فاعلة للمرأة في الرياضة وتواجدها في الحياة السياسية الذي يتجسد فيما يتجسد في الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلدية والقروية.
وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجاً جديداً للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للأسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الأجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.
ونجحت الثورة في ايران من ترسيخ مبدأ الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الاسلامية ومنطقة العالم الثالث، والتأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.
--------------------------------------------------
القسم العربي، الشؤون الدولية.